Sunday, February 19, 2012

أزمة العامرية حيث كلنا شيطان أخرس





أقطع الطريق إلى قرية شربات فى منطقة النهضة بحى العامرية بالاسكندرية وفى ذهنى بعض الأفكار المتلاحقة، كنت أتساءل طوال الطريق كيف فعلونها؟ ألم يكونوا جيرانا لسنوات طويلة؟ كيف تحولوا فى ليلة واحدة؟ كيف نسوا أو تناسوا كل ما كان يجمعهم كجيران وأهل قرية صغيرة؟ كم أتوق لتأمل ملامحهم باحثا عن الإنسان الذى فيهم أين أخفوه فى تلك الليلة، وقد حرصت بمجرد دخولى للقرية أن أتفحص وجوههم طامعا أن أجد بها اختلافا يجعل تفسير ما حدث أمرا سهلا، ولكننى وجدتها وجهوا هى نفس وجوهنا، ووجدت أناسا يشبهوننا، وجدت نفس البيوت ونفس الشوارع ونفس لون تربة الأرض، لم أجد أرضا غريبة ولا سماءا غريبة، باختصار وجدتنا كلنا هناك.

كان السؤال الأصعب كيف لأناس مثلنا أن يقوموا فجأة بحرق منازل بعضهم بعضا، مهددين أرواح من فيها غير عابئين بوجود أطفال ونساء بها، هل هى التحولات المفاجئة فى الشخصية؟ وأين يكمن جين التحول ومتى ينشط؟ أم سنلجأ إلى التفسير الأكثر راحة أن هناك أطرافا خفية ربما أتوا من مجتمع آخر غير مجتمعنا لأننا نفضل أن نحتفظ لمجتعما ولأنفسنا بصورة رائعة لا ترتكب هكذا جرائم.

نقابل سمير رشاد الذى ناله العقاب الجماعى لمجرد انه جار مراد المتهم فى مكان قريب من منزله ليأخذنا إلى هناك حيث يعيش مع والدته وأخيه جرجس بينما تعيش زوجة سمير وأبنائه فى إحدى محافظات الصعيد خوفا على حياتهم، فقد طال التهديد نسائهم وبناتهم من بعض صغار النفوس هناك، أما زوجة جرجس فتعيش فى مكان خارج النهضة.

تقابلنا والدة كل من سمير وجرجس بوجه حزين يحمل بوضوح علامات الانكسار، وكنت كلما نظرت إليها وجدت عينيها تحملان كثيرا من الأسئلة الصامتة التى لم نكن نملك لها إجابة فنتحاشى النظر إليها، كنت أتعمد تأجيل الكلام معها حتى يتكون لدى قدر من الطاقة اللازمة لتحمل مرارة شكواها، أما عن منزلهم فقد تم نهب وسرقة كل ما كان متاحا، بدأ من محلين لبيع الأقمشة كانا مصدر رزقهما، حتى ملابس الأطفال والنساء.

أسأل جرجس الذى تعيش أسرته عند أقاربهم فى مكان بعيد عن القرية عن مدارس أبنائه فيخبرنى أنه أرسل مينا ابنه إلى المدرسة فى أول يوم للدراسة ليعود له مضروبا فى الشارع من صبيان المنطقة وبيده جرح وقميصه ممزقا فيضطر أن يحرمه من مدرسته حتى تهدأ القرية وتعود الأمور إلى طبيعتها، وبالمثل تعطلت كل أمور حياتهم لأجل غير مسمى، ويحكى لنا أنه أثناء الهجوم عليهم ساعدهم بعض الجيران المسلمين على الهروب وحدث أن اختفت طفلته الصغيرة ثم بحثوا عنها ليجدوها جالسة فى أحد أركان المنزل لا تستطيع الحركة من فرط ما كانت تشعر به من رعب وفزع.

ثم تأخذنا والدة سمير وجرجس لترينا حال البيت بعد تلك الجريمة وقالت أنهم لم يتركوا لهم حتى بطانية لتحميهم من برد الشتاء ثم حكت أنهم تعرضوا لهجوم آخر يوم الإثنين التالى لجمعة الهجوم فاختبئوا فى عشش الفراخ وكان المهاجمون يهتفون "يطلعوا من هنا وناخدو عرضنا" فى تهديد واضح لبناتهم بالاعتداء عليهم مما اضطرهم لترحيل بناتهم إلى الصعيد لحمايتهم من بطش هؤلاء، ثم ختمت كلامها وهى تردد "عايزين يبهدلوا بناتنا وببهدلونا منهم لله . . اشتكيتهم لربنا".

أما حكاية مريم فهى الحكاية الأكثر ألما فقد كانت مريم هى العروس التى كانوا يخططون لفرحها فى شهر إبريل، وككل بنت تستعد للزفاف كانت مريم تستعد بشراء كل لوازمها أو ما يعرف بإسم "الشوار" وكان كل شوارها فى منزلهم حينما هوجم وبالطبع سرق كل ما كانت قد اشترته من ملابس وأطقم مطبخ وأجهزة ومفارش وملايات، مريم لا تتخيل أن فرحها قد انقلب حزنا وأن المعتدين لم يسرقوا فقط شوارها بل سرقوا فرحتها بالحدث الذى لا يحدث سوى مرة واحدة فى العمر، والآن مريم لا تفعل أى شىء سوى البكاء المستمر.

هذه لقطات خاطفة من حياة عائلة واحدة من العائلات التى أضيرت فى حادث العامرية بسبب إشاعة لم يثبت بعد صحتها، جاءهم فاسق بها فصدقوه بدون أن يتبينوا فأصابوا قوم بجهالة.

أما باقى العائلات فعائلة أبو سليمان أو المقدس أبسخيرون فيقيم هو وأثنين من أبنائه مع الحاج محمد جلال بينما باقى أبنائه وزوجاتهم وأولادهم فيقيمون لدى أقربائهم خارج النهضة، بينما عائلة أندراوس فيعيش دهشور والسبع فقط فى القرية بدون زوجاتهما وأولادهما خوفا عليهم، أما أسرة مراد المتهم فيعيشون جميعا خارج النهضة، وقد تم الافراج عن مراد بكفالة وكان نص الاتهام الموجه حسب كلام ممدوح عزمى محامى المتهم هو نشر أكاذيب من شأنها الإضرار بالأمن والسلم وتكدير السلم العام وإحداث فتنة طائفية، أى أنه وفق المحكمة لا توجد علاقة بين مراد وأى فتاة مسلمة.



حقا لم تعد الفتنة نائمة بل هى مستيقظة بارك الله من يخمدها.



نعود من حيث أتينا سالكين الطريق الذى يربط القرية بالطريق الصحراوى وهو نفس الطريق الذى به مصانع شركة أسود الكربون التى لا يعلمون أنها تحمل لأهالى القرى من المخاطر ما هو أكثر ضررا من وجود مسيحيين بها، بل هى شركة هندية أسسها الهنود الذين هم ليسوا مسلمون ولا مسيحيون، ومن ثم تنشأ مفارقة جديرة بالتأمل، ففى داخل القرية يحارب رأس المال المسيحى بينما يقبع خارج القرية رأس المال الهندى مخلفا أضرارا بيئية مدمرة.
تلك هى بلادنا التى لم تعد تحب النهار فراحت تشعل الحرائق هنا وهناك.



شمعى اسعد

نشرت فى مجلة روز اليوسف
18 فبراير
2012
تحت عنوان
الرعب فى المنفى



--------

نشرت فى الأقباط متحدون

11 comments:

وظائف خالية said...

مشكووووووووووووررررر

محسنات محركات البحث said...

مشكور على الموضوع

اسرار السيو said...

thanx

Übersiedlung said...

فين الجديد ؟؟

Kellerräumung Wien said...

موفقييييين

Privatumzug Wien said...

لا ادرى المعنى الذى تريد توضيحه للقارىء

Umzugsunternehmen Wien said...

جددوا موضوعتكم .. رجاءاً :)

Kellerentrümpelung Wien said...

شكراً جزيلاً ع المجهود ... :)

Lager Mieten said...

الله معكم .. اتمنى عرض الجديد بأستمرار

Umzug Wien said...

Vielen Dank .. Und ich hoffe, Sie Mved Entwicklung und Schreiben von verschiedenen Themen :)

Entrümpelung wien said...

دوماً موفقين ... وبأنتظار الجديد ..