Wednesday, February 29, 2012

تحقيق حول احداث العامرية من واقع تحقيقات النيابة

لم يعد ملف الفتنة الطائفية فى يد الجهات الأمنية فقط، بل صار بكل أسف في يد كل مواطن، فتستطيع بنفسك ـ عزيزى المواطن ـ أن تشعل نار الفتنة غدا فى مكان إقامتك إذا أردت ان تبتز مواطن عزيز آخر ولم يستجب لابتزازك، لا تخطط للأمر بدقة دع ذلك للإعلام وثقتك فى أن الناس من حولك مستعدون دائما لالتقاط الخيط، وكن مطمئنا أن ما خططت له لن يعرفه أحد غيرك وإن عرفوه سوف يتجهالونه لأن الخبر كما ستنشره وسائل الإعلام سوف يروق لهم أكثر.

تبدأ أزمة العامرية بداية مختلفة هذه المرة ـ حسب ما جاء على لسان العقيد محمد هندى وكيل المباحث بقطاع غرب الاسكندرية فى محضر تحقيقات النيابة ـ حيث يذهب محمود طعيمة الذى يعمل حلاق إلى محل جاره الترزى مراد سامى، يعبث محمود بموبايل مراد دون علمه مستغلا إنشغال مراد فى أمر ما لدقائق، يجد محمود صور فتيات شبه عرايا على موبايل مراد، ليبدا بعدها خطة ابتزاز مراد إذ طلب منه مبلغا من المال مهددا إياه إن لم يعطه ما طلبه سوف يشهر به فى القرية ويذيع بين أهل القرية أن مراد يقوم بتصوير المسلمات فى غرفة تغيير الملابس، استمر محمود فى مساومة مراد الذى لم يستجب له ورفض أن يعطيه المبلغ الذى طلبه، فما كان من محمود إلا أن نفذ تهديده وروج فى القرية كلها أن مراد يقوم بتصوير المسلمات فى محل الخياطة الخاص به، الأمر الذى أثار حفيظة المسلمين فاتجهوا بعد صلاة العصر وكان يوم جمعة إلى منزل مراد مطالبين عائلته بالرحيل، ولما زاد التجمهر خاف بعض المسيحيين هناك، فقام لويس أبسخيرون مع أخوه عادل بإطلاق أعيرة نارية فى الهواء بهدف تفريق التجمهر أمام منزلهم، مما ترتب على ذلك أن هاج المتجمهرون وراحوا يقذفون بيوت المسيحيين بالحجارة وتطور الأمر إلى إحراق محلاتهم وسرقتها، ويذكر العقيد هندى أسماء من قاموا بوضع النار فى محلات بعض المسيحيين وهم حامد محمد على درويش، وأحمد محمد على، ومسعود حلمى خطاب، عطالله عوض عبد الجليل، ورمضان سعد، وهم من سكان منطقة النهضة بالعامرية، ثم حدث أثناء الإعتداءات أن قم شخص مسلم يدعى نجيب ابو زيد عمر بإطلاق أعيرة نارية بشكل عشوائى فأصابت بعض الاشخاص المسلمين وهم محمد اسماعيل محمود، ومحمد عبد الحميد عبد الحليم، وسلطان عوف، وهم من سكان قرية شربات.

ويأتى فى محضر تحقيقات النيابة سؤال موجه لوكيل المباحث حيث يسأله عن الدافع الذى حدا بمحمود طعيمة من إذاعة تلك الأخبار التى تقول بأن مراد سامى يقوم بتصوير المسلمات فى محله أثناء تغيير ملابسهن فأجاب أن محمود كان يقصد أن يثور المسلمون على مراد ويطردوه خارج القرية (ويعمل فتنة فى البلد) حسب تعبير وكيل المباحث التى وردت فى أقواله أمام النيابة وعن سؤاله عن السبب فى أن يقوم محمود بتلك الأفعال فقال ان ذلك حدث بعد أن ساوم مراد على مبالغ مالية وإلا سيذيع تلك الأخبار عنه.

وعن سؤاله عن مدى صحة تلك الشائعة وهل المدعو مراد سامى يقوم بتصوير النساء اثناء تواجدهن داخل المحل الخاص به، وأثناء تغيير ملابسهن بغير علمهن؟ وما مدى صحة رواية المدعو محمود عبد السلام طعيمة من أن تلك الصورة التى قام بنشرها تخص إمرأة مسلمة؟ أجاب وكيل المباحث أنه جارى تكثيف البحث وبيان عما إذا كانت قد تحصل عليها خلسة من عدمه وأنه (احتمال) أن يكون قد تحصل عليها خلسة نظرا لطبيعة عمله وتردد النساء على المحل خاصته وتبديلهن للثياب أثناء أخذ المقاسات، وأفاد بأنه جارى تكثيف التحريات فى ذلك الشأن. ثم أضاف أنه ترتب على ذلك أن تحصل عليها محمود طعيمة وساوم مراد علي مبالغ مالية وإلا قام بفضحة ثم توالت باقى الأحداث.

ثم يأتى سؤال هام موجه لوكيل المباحث إذ يسأله المحقق: وهل كانت تلك الصورة لمسلمة؟ ليأت الرد المفاجأة: لم تتوصل تحرياتى لذلك.

ثم يسأله سؤال أهم: وهل شاهت تلك الصورة موضوع المشكلة؟ ليجيب: لم اشاهدها بعد ولكن تحرياتى أكدت أنها سبب المشكلة.

ثم يستمر التحقيق كالآتى:

س: ما قصد كلا من لويس أبسخيرون وعادل ابسخيرون من ارتكاب تلك الواقعة وإطلاق النيران من منزلهما

ج: أطلقوا النيران لإرهاب مسلمى القرية ومنعهم من الوصول لمنزلهم

س: ما قصد المدعو وليد سامى جرجس من تحريضهم على إطلاق الأعيرة النارية

ج: هو كان خايف ان الناس تتجمع عند محلاتهم ويحدثوا بها تلفيات

س: وهل كان إطلاقهم النار فى اتجاه تجمع الاهالى من حولهم أم كان ذلك فى الهواء

ج: لم تفد تحرياتى الاولية عن وقوع اصابات فى جانب المسلمين من جراء تلك الأعيرة النارية التى أطلقها سالفو الذكر

وفى موضع آخر يسأل المحقق عن قصد الذين أحرقوا محلات عائلة أبسخيرون ومحلات السبع اندراوس (وهم ليسوا أقرباء مراد المتهم) فيجيب ظابط المباحث أن السبب هو الانتقام من مراد لأنه نشر صورة لسيدة مسلمة، فيسأله وهل تأكد المدعو محمود عبد السلام طعيمة من أن تلك الصورة لمسلمة وأنها أخذت خلسة قبل ان يقوم بإذاعة تلك الأخبار، فيجيب انه لم يكن متاكد وقام بعرضها على أهالى القرية بعدما رفض المدعو مراد سامى تسليمه الفلوس محل المساومة، مما أثار حفيظتهم وجعلتهم (يستنتجوا) أنها لأمرأة مسلمة من أهل القرية، مما تسبب فى اندلاع الأحداث ولا زال البحث جاريأ حول تلك الصورة وعما إذا كانت لأمرأة مسلمة من أهالى القرية من عدمه.

وهكذا يدور التحقيق ليثبت أن محمود عبد السلام طعيمة أراد إبتزاز مراد سامى جرجس ومساومته على صورة لم يثبت يقينا أنها لأمراة من القرية، وأنهم مجرد (استنتجوا) أنها لأمرأة مسلمة، وأن محمود طعيمة أراد الانتقام من مراد فاستخدم سلاح الفتنة الطائفية لينتقم من جاره الذى رفض اعطائه مبالغ نقدية بلا وجه حق، فتسبب عن عمد فى إحداث فتنة وبلبلة فى قريته، ثم يخبرنا ظابط المباحث نفسه انه لم ير الصورة وأنه جارى التحرى عنها.

يذكر أن من سرقوا منازل جيرانهم المسيحيين وحرقوها معروفون بأسمائهم ومذكورون فى التحقيق، ولم يقدموا حتى الآن للتحقيق معهم، وتحجج الجميع ودافع عنهم بأنهم لم يكونوا ليفعلوا لولا أن أطلق ابناء ابسخيرون أعيرة نارية رغم اعتراف المنصفين من أهل القرية المسلمين أن ذلك كان دفاعا شرعيا عن النفس فضلا عن كونها طلقات فى الهواء لم توجه لشخص ولم تصيب أحد.

أما الطريف فى الموضوع أن كلا من محمود طعيمة ومراد سامى كانت أقوالهما متطابقة رغم أنهما خصمان وفى نفس الوقت مخالفة ومتناقضة تماما مع أقوال ظابط المباحث، حيث قالا كل على حدة فى التحقيق معهما أن الخلاف بدا بسبب مقطع فيديو جنسى تم تحميله من الانترنت وكان بالمقطع شاب يشبه مراد.

وعلى خلفية كل هذا وبجانب كون الابتزاز هو السبب الرئيسى لاندلاع تلك الأحداث، إلا أنه يأتى معه أيضا أصحاب المصالح الذين لعبوا دورا هاما خلف الستار، وهو الأمر الذى أكده بعض الكبار فى القرية وأكده أيضا بعض الشهود، أن هناك من كان يطمع فى محلات المقدس أبسخيرون وأرادها له فكان له دور هام فى التحريض وقد كان، وهذا يفسر لماذا تجمهر عدد كبير من الشباب الغاضب أمام منزل أبسخيرون مما دفع أبناءه لإطلاق أعيرة فى الهواء بهدف تفريقهم، بجانب من تجمهر أمام منزل مراد.

يقول ممدوح عزمى محامى المتهم ملخصا موقفه من الجلسة العرفية التى حكمت بإدانة مراد بدون أن تستمع له:

  • كل متهم برئ ما لم تثبت إدانته فى محاكمة عادلة يكفل له فيها القانون حق الدفاع عن نفسه وأن يوكل محامياً فى ذلك فالمحاكمات لا تستقيم إلا إذا كان هناك قضاء واقف أى مدافع عن المتهم وقضاء جالس وهو من يفصل فى الدعوى بالإضافة إلى سلطة الاتهام فيحق أن يكون لمراد محامى يدافع عنه، وفى الجلسة العرفية مراد أتهم وحوكم ونفذ فيه الحكم فى لحظة، ودورى إنى أثبت برائته علشان اقول ان المحاكمة العرفية اللى اعدمتوا فيها هذه الاسرة كانت محاكمة باطلة.

سألته عن رايه القانونى من مطالعته لأوراق القضية فأجاب ممدوح:

عند اكتمال مطالعتى للأوراق وجدت أنها قضية تخلوا من ثمة دليل واحد يؤكد ارتكاب مراد للجريمة التى وجهت له وهى نشر أكاذيب (وليس وجود علاقة فعلية) بهدف إحداث الفتنة بل على العكس أجد أن مراد ليس جانيا بل مجنى عليه خصوصا وأن محاضر جمع الاستدلالات ومحاضر التحريات وعلى فرض صحة ما سطر بها أن محمود طعيمة أخذ مادة فيلمية أو صور خلسة من محمول مراد وهو الذى قام بالنشر، إضافة لذلك لم يقم الدليل القاطع الدامغ على وجود أية علاقات نسائية بين مراد وأى امرأه من القرية. كما أن القضاء الجنائى يبنى على القطع واليقين وليس الشك والتخمين، كما نجد أن محاضر التحريات جاءت جميعها تدور فى فلك الشكوك والاحتمالات بعيده كل البعد عن اليقين، والمبدأ القانونى الشهير يقول بان الشك يفسر لمصلحة المتهم حيث أن الأصل فى الانسان البراءة فمجرد الشكوك لا ترتقى إلى مرتبة الدليل الدامغ.

ثم يستطرد ممدوح عزمى:

ومن الأسباب أيضا التى تجعلنى مؤمنا ببراءة مراد أن القضية كانت وليدة شائعة بوجود مقطع فيديو أو صور لإحدى المسلمات بالقرية برفقة مراد، إلا أن بفض الأحراز تبين أنه لا توجد أية مقاطع فيديو على جهازى المحمول الخاصين بمراد، هذا عن ما يتعلق بمراد كبطل للقضية الجوفاء التى هى بلا دليل ولكن هناك جانب آخر يجب أن نتعرض له، هذا الجانب هو المخلفات التى خلفتها هذه الإثارة التى أدت لاشتعال نار الفتنة وفقاً للشائعة التى بدت وانطلقت كالنار فى الهشيم وقد أدى ذلك الى اشتعال النيران وتكرار أعمال السلب والنهب لعدد من المنازل الخاصة ببعض الأقباط أصحاب الحيثية بالمنطقة، والعجيب فى الأمر أن التحريات ذكرت أسماء خمسة أشخاص توصلت التحريات إلى أنهم من قاموا بأعمال الحرق العمدى والسلب والنهب وحتى الآن لم يقم رجال الشرطة بالقبض عليهم.

وقد نتج عن هذه الأحداث جلسة عرفية لن أتطرق لها فى معرض حديثى ففط أشير إلى أن هذه الجلسة قد قررت بتهجير ثمانى أسر مسيحية من القرية وكان الاتهام قد ولد وتمت المحاكمة وتم القضاء فورا وليس القضاء على مراد فقط على فرض جدلى لا أسلم به أنه مدان بل تعداه إلى أسر أخرى ليس لها ناقة ولاجمل كل ما اقترفوه أنهم حاولوا التصدى لمن يشرع فى الاعتداء عليهم وكأن العقاب أصبح جماعى وهذا يخالف مبدأ شخصية الجريمة وشخصية العقوبة.

وكان يجب أن يشمل حكم الجلسات العرفية شخص وأسرة محمود الذى أشعل نار الفتنة إلا أن الغريب فى الأمر أن محمود عاد إلى القرية واستقبل استقبال الفاتحين.

ثم يكمل ممدوح:

ليس آل أبو سليمان فقط بل أسرة سمير وجرجس رشاد وآخرون هم السبع اندراوس وأخيه ليسوا هؤلاء هم فقط بل أيضاً بيت من أشيع عنه أنه مفجر هذه الأزمة أعنى بذلك مراد سامي جرجس وبالقطع تم تهجير كل هذه الأسر وخاصة أسرة مراد وأسرة أبو سليمان وحرر قرار التهجير هذا وفقاً لجلسة عرفية مدونة في محضر اسميه محضر العار للعديد من السباب:

السبب الأول: رأيت أنه من العار العودة لقانون الغاب وإضفاء الشرعية على الجلسات العرفية التي تخفى الحقائق وتذهب بالحقوق إلى ما وراء اللا مرئيات.

السبب الثاني: إن هذه الجلسات يتم القضاء فيها وفقاً للأهواء الشخصية والعصبيات الاجتماعية وكأن الأطراف لم يصبحوا على قدم المساواة.

السبب الثالث: أننى رأيت في هذه الجلسات العرفية تنصيب الخصم حكماً وهذا إهدار لمبادئ العدالة التي يجب أن تكون عمياء محايدة لا ترى إلا الحق.

السبب الرابع: هو تواجد أحد أعضاء المجلس الملي السكندري ضمن هذه الجلسة العرفية التي غاب فيها القانون وقيامه بالتوقيع على محضر العار. وكأن كل ما نادي به النشطاء الاقباط على مدار الأعوام الكثيرة الماضية قد راح هباء.

ويرى ممدوح عزمى أن الحل الذى طرحته الجلسة العرفية جاء منقوصاً لأنها لم تراعى المبادئ القانونية وأبسطها المساواة بين الأطراف فقد استمعت لجميع الأطراف عدا أسرة مراد وكأن مراد وأسرته ووالده الذي بلغ من الكبر الكثير ليسوا محط اهتمام الأعضاء الأجلاء.

جاء الحل منقوصاً حيث رأيت أننى أمام جلسة عرفية ثانية وإن كانت رفيعة المستوى فهي تتضمن العديد من أصحاب الحصانات ولقد أضفيت عليها لفظ العرفية لأنها أيضاً قد جاءت لتفعل القانون إلا أنها ضربت بالقانون عرض الحائط وسلمت بمبدأ العقاب الجماعي والتهجير، فعلى الرغم من إقرارهم عودة أبو سليمان إلا أنهم أيضا اقروا استبعاد مراد وأسرته.

شمعى اسعد

روز اليوسف

2012-02-25


----

http://www.copticmc.org/2502012/rosal%202502012%20%2001.pdf

---


http://www.copts-united.com/Arabic2011/Article.php?I=1094&A=53506

----

http://freeorthodoxmind.blogspot.com/2012/02/blog-post_29.html

Sunday, February 19, 2012

أزمة العامرية حيث كلنا شيطان أخرس





أقطع الطريق إلى قرية شربات فى منطقة النهضة بحى العامرية بالاسكندرية وفى ذهنى بعض الأفكار المتلاحقة، كنت أتساءل طوال الطريق كيف فعلونها؟ ألم يكونوا جيرانا لسنوات طويلة؟ كيف تحولوا فى ليلة واحدة؟ كيف نسوا أو تناسوا كل ما كان يجمعهم كجيران وأهل قرية صغيرة؟ كم أتوق لتأمل ملامحهم باحثا عن الإنسان الذى فيهم أين أخفوه فى تلك الليلة، وقد حرصت بمجرد دخولى للقرية أن أتفحص وجوههم طامعا أن أجد بها اختلافا يجعل تفسير ما حدث أمرا سهلا، ولكننى وجدتها وجهوا هى نفس وجوهنا، ووجدت أناسا يشبهوننا، وجدت نفس البيوت ونفس الشوارع ونفس لون تربة الأرض، لم أجد أرضا غريبة ولا سماءا غريبة، باختصار وجدتنا كلنا هناك.

كان السؤال الأصعب كيف لأناس مثلنا أن يقوموا فجأة بحرق منازل بعضهم بعضا، مهددين أرواح من فيها غير عابئين بوجود أطفال ونساء بها، هل هى التحولات المفاجئة فى الشخصية؟ وأين يكمن جين التحول ومتى ينشط؟ أم سنلجأ إلى التفسير الأكثر راحة أن هناك أطرافا خفية ربما أتوا من مجتمع آخر غير مجتمعنا لأننا نفضل أن نحتفظ لمجتعما ولأنفسنا بصورة رائعة لا ترتكب هكذا جرائم.

نقابل سمير رشاد الذى ناله العقاب الجماعى لمجرد انه جار مراد المتهم فى مكان قريب من منزله ليأخذنا إلى هناك حيث يعيش مع والدته وأخيه جرجس بينما تعيش زوجة سمير وأبنائه فى إحدى محافظات الصعيد خوفا على حياتهم، فقد طال التهديد نسائهم وبناتهم من بعض صغار النفوس هناك، أما زوجة جرجس فتعيش فى مكان خارج النهضة.

تقابلنا والدة كل من سمير وجرجس بوجه حزين يحمل بوضوح علامات الانكسار، وكنت كلما نظرت إليها وجدت عينيها تحملان كثيرا من الأسئلة الصامتة التى لم نكن نملك لها إجابة فنتحاشى النظر إليها، كنت أتعمد تأجيل الكلام معها حتى يتكون لدى قدر من الطاقة اللازمة لتحمل مرارة شكواها، أما عن منزلهم فقد تم نهب وسرقة كل ما كان متاحا، بدأ من محلين لبيع الأقمشة كانا مصدر رزقهما، حتى ملابس الأطفال والنساء.

أسأل جرجس الذى تعيش أسرته عند أقاربهم فى مكان بعيد عن القرية عن مدارس أبنائه فيخبرنى أنه أرسل مينا ابنه إلى المدرسة فى أول يوم للدراسة ليعود له مضروبا فى الشارع من صبيان المنطقة وبيده جرح وقميصه ممزقا فيضطر أن يحرمه من مدرسته حتى تهدأ القرية وتعود الأمور إلى طبيعتها، وبالمثل تعطلت كل أمور حياتهم لأجل غير مسمى، ويحكى لنا أنه أثناء الهجوم عليهم ساعدهم بعض الجيران المسلمين على الهروب وحدث أن اختفت طفلته الصغيرة ثم بحثوا عنها ليجدوها جالسة فى أحد أركان المنزل لا تستطيع الحركة من فرط ما كانت تشعر به من رعب وفزع.

ثم تأخذنا والدة سمير وجرجس لترينا حال البيت بعد تلك الجريمة وقالت أنهم لم يتركوا لهم حتى بطانية لتحميهم من برد الشتاء ثم حكت أنهم تعرضوا لهجوم آخر يوم الإثنين التالى لجمعة الهجوم فاختبئوا فى عشش الفراخ وكان المهاجمون يهتفون "يطلعوا من هنا وناخدو عرضنا" فى تهديد واضح لبناتهم بالاعتداء عليهم مما اضطرهم لترحيل بناتهم إلى الصعيد لحمايتهم من بطش هؤلاء، ثم ختمت كلامها وهى تردد "عايزين يبهدلوا بناتنا وببهدلونا منهم لله . . اشتكيتهم لربنا".

أما حكاية مريم فهى الحكاية الأكثر ألما فقد كانت مريم هى العروس التى كانوا يخططون لفرحها فى شهر إبريل، وككل بنت تستعد للزفاف كانت مريم تستعد بشراء كل لوازمها أو ما يعرف بإسم "الشوار" وكان كل شوارها فى منزلهم حينما هوجم وبالطبع سرق كل ما كانت قد اشترته من ملابس وأطقم مطبخ وأجهزة ومفارش وملايات، مريم لا تتخيل أن فرحها قد انقلب حزنا وأن المعتدين لم يسرقوا فقط شوارها بل سرقوا فرحتها بالحدث الذى لا يحدث سوى مرة واحدة فى العمر، والآن مريم لا تفعل أى شىء سوى البكاء المستمر.

هذه لقطات خاطفة من حياة عائلة واحدة من العائلات التى أضيرت فى حادث العامرية بسبب إشاعة لم يثبت بعد صحتها، جاءهم فاسق بها فصدقوه بدون أن يتبينوا فأصابوا قوم بجهالة.

أما باقى العائلات فعائلة أبو سليمان أو المقدس أبسخيرون فيقيم هو وأثنين من أبنائه مع الحاج محمد جلال بينما باقى أبنائه وزوجاتهم وأولادهم فيقيمون لدى أقربائهم خارج النهضة، بينما عائلة أندراوس فيعيش دهشور والسبع فقط فى القرية بدون زوجاتهما وأولادهما خوفا عليهم، أما أسرة مراد المتهم فيعيشون جميعا خارج النهضة، وقد تم الافراج عن مراد بكفالة وكان نص الاتهام الموجه حسب كلام ممدوح عزمى محامى المتهم هو نشر أكاذيب من شأنها الإضرار بالأمن والسلم وتكدير السلم العام وإحداث فتنة طائفية، أى أنه وفق المحكمة لا توجد علاقة بين مراد وأى فتاة مسلمة.



حقا لم تعد الفتنة نائمة بل هى مستيقظة بارك الله من يخمدها.



نعود من حيث أتينا سالكين الطريق الذى يربط القرية بالطريق الصحراوى وهو نفس الطريق الذى به مصانع شركة أسود الكربون التى لا يعلمون أنها تحمل لأهالى القرى من المخاطر ما هو أكثر ضررا من وجود مسيحيين بها، بل هى شركة هندية أسسها الهنود الذين هم ليسوا مسلمون ولا مسيحيون، ومن ثم تنشأ مفارقة جديرة بالتأمل، ففى داخل القرية يحارب رأس المال المسيحى بينما يقبع خارج القرية رأس المال الهندى مخلفا أضرارا بيئية مدمرة.
تلك هى بلادنا التى لم تعد تحب النهار فراحت تشعل الحرائق هنا وهناك.



شمعى اسعد

نشرت فى مجلة روز اليوسف
18 فبراير
2012
تحت عنوان
الرعب فى المنفى



--------

نشرت فى الأقباط متحدون

Saturday, February 18, 2012

بخصوص بيان سلفيو كوستا حول احداث العامرية


بناء على مشاهداتى فى قرية شربات ومعرفتى ببعض الاشخاص الاطراف الاصليين فى الاحداث هذا التقرير يفتقد لكثير من الصحة او على الاقل يفتقر للدقة وان اصل الواقعة ليس علاقة بين شاب وفتاة بل ابتزاز بين حلاق مسلم اسمه محمود طعيمة وترزى مسيحى اسمه مراد سامى حيث هدد طعيمة مراد بنشر شائعات عنه وحين رفض مراد الابتزاز تم ترويج الشائعة التى انتشرت كالبرق ومما يؤكد ذلك حكم المحكمة التى افرجت عن الشابين على ذمة قضية وجهت لهم فيها تهمة نشرأكاذيب من شأنها الإضرار بالأمن والسلم وتكدير السلم العام وإحداث فتنة طائفية، أى أنه وفق المحكمة لا توجد علاقة بين مراد وأى فتاة مسلمة

كما افادت المباحث انها لم تستدل على شخصية الفتاة وان محضر النيابة لم يتضمن اى احراز بشان الصور او الفيديو كما ان كل من قابلنهم فى القرية مسلمين ومسيحيين اكدوا انهم لم يشاهدوا اى فيديو او صور

كما ان بعض الشيوخ السلفيين وعضوى مجلس الشعب وكاهن الكنيسة وكل من حضر الجلسة العرفية لم يتبينوا صحة الواقعة وانساقوا كلهم خلف الشائعة التى لم يثبت صحتها حتى الان واتخذت قوتها من كثرة ترديدها والكثرة العددية لمن رددها واستراح ضمير الجميع لذلك ربما لكى يتخلصون من اى احساس بالذنب

واتعجب ان سلفيو كوستا الذين نالوا احترام وحب الجميع يرددون نص الشائعة بدون تحقق، فيما اذا كان عناء الذهاب الى هناك مادمنا سنردد الشائعة التى اتت هى الينا

اما بخصوص ذكركم قيام بعض الشباب بعمل دروع بشرية لحماية الاسر المسيحية فكيف حدثت السرقات والحرائق فى وجود هذه الدروع ام ان هذه الدروع جاءت بعد ان فرغ اللصوص من الاتيان على كل مافى منازل الضحايا والسؤال الاهم لماذا تكرر العدوان فى الايات التالية حتى ان احدى الاسر اختبئت فى عشش الفراخ حينما فوجئوا بهجوم اخر وكان يوم الاثنين التالى لجمعة الغضب فى القرية

اما قولكم انكم لا تستطيعون الجزم ان كان ابو سليمان اجبر على الرحيل ام ان ذلك كان قراره فلماذا لم تسالوه بانفسكم حينما ذهبتم الى هناك وانت تعرفون انه ومع اثنين من ابنائه يقيمون فى منزل احد المسلمين الافاضل فى مكان قريب من القرية

وتصحيحا لباقى المعلومات بخصوص عدد الاسر اود ان اوضح ان الاعداد الصحيحة هى 12 اسرة بيانها كالتالى:

عائلة ابو سليمان: خمس اسر

عائلة مراد: ثلا اسر

عائلة رشاد: اسرتان

عائلة اندراوس: اسرتان

-------

شمعى اسعد

فبراير 2012

----

كان هذا تعليقا على بيان سلفيو كوستا