Tuesday, December 21, 2010

حارة النصارى


بقلم مهندس: محمد احمد برمو
رئيس نادى الأدب - ادكو
-------------------------


ليس هذا الكتاب عملاً روائياً كما قد يبدو من عنوانه، لكنه يصدر فى سياق الأعمال الفكرية، ما أن تشرع فى قراءته إلا وتزداد رغبة وإصراراً على إتمام قراءته، يتناول الكتاب ـ رغم صغر حجمه ـ قضايا شائكة، ويجيب عن تساؤلات عديدة، ويكشف عن واقع ملتبس فى علاقات اجتماعية ضاربة جذورها فى أعماق المجتمع المصرى، خاصة علاقة المسلم بالمسيحى والتى استقرت مئات السنين، وتعانى اليوم مدًا وجذرًا، تأتى أهمية الكتاب ﻷنه بقلم قبطى مسيحى يعتز بانتمائه لمصر، ويحمل وجهة نظر جديرة بالاحترام، إنه الصديق الكاتب (شمعى أسعد) الذى يهمس فى رقة المحب وعتاب العاشق بأن المطلوب أن نعرف أن الأقباط هم سكان مصر على اختلاف طوائفهم وعقائدهم، وأن الوطن الذى احتوانا منذ آلاف السنين قادر ـ أيضا ـ أن يسعنا ويجمعنا على محبته آلاف أخرى من السنين، بشرط أن ينضج وعينا وندرك أن شواغلنا وهمومنا وطموحاتنا ومصيرنا مشترك، إنه العيش الواحد الذى أشار إليه الدكتور محمد سليم العوا، فمن أساسيات الإسلام التعامل بالحكمة والموعظة الحسنة مع الفرقاء فى أوطانهم النائية بحكم (العيش المشترك) ومن الواجب أيضا أن نتعامل بنفس المنهج مع القرناء والشركاء فى الوطن (العيش الواحد

إنها دعوة مخلصة لقبول الآخر ومعرفته عن قرب، والتخلى عن الأفكار المغلوطة والأحكام المسبقة، خاصة أننا تحت سقف واحد يتقاسم سويا لقمة العيش، ومعاملاتنا اليومية المغلفة بالود والمحبة تقرب المسافات وتزيل الحواجز وتمحو الفوارق، إذ لا فرق بين مسلم ومسيحى إلا العقيدة وهى حالة إيمانية خالصة لله وحده .. إن أهم ملامح الكتاب جسارة التناول عبر ملابسات سوء الفهم، وتعرية سلبيات كثيرة لدى المغالين هنا وهناك، مؤكدًا على أن ما يجمعنا ونتآلف عليه أكثر بكثير مما يفرقنا ويبعدنا .. وصدق الشاعر اسماعيل صبرى الذى قال

أبنى المسيح وأحمد انتبهوا / لا تسمعوا لرجال منكمو هجعوا
لا تحسبوا اختلافكم ورعٌ / إن ائتلافكم هو الورعٌ

لقد أعجبنى حرص الكاتب تجنب الولوج فى التفاصيل العقائدية ومفرداتها المثيرة للجدل والخلاف، وألقى الضوء الكاشف على القواسم المشتركة التى تجمع أبناء الوطن الواحد، ولشد ما آلمنى توجسه أن ينكمش النصارى ذات يوم ويصبح كل ما لهم فى هذا الوطن مجرد (حارة) وهو ـ فى اعتقادى ـ أمر مستبعد ﻷننا شركاء ولسنا غرماء وتوجهاتنا وآمالنا وآلامنا واحدة، وأدعو الجميع لقراءة الكتاب ﻷن فوائده تفوق الحصر
-----


أكتوبر 2010

المقال على المصرى اليوم