Tuesday, April 18, 2006

من البلكونة أتحدث


لم أكن أتصور فى يوم من الأيام أن تصبح البلكونة أهم من الدش وأهم من الوصلة وأهم من النت، فمنها رأيت أشياءاً لم تكن أبداً فى الحسبان، رأيت جنازة شهيد مقتول فى قلب كنيسته، ورأيت شعباً صمت كثيراً، واستنطقته جنازة الشهيد، رأيت شباباً عاطلاً وجد عملاً أخيراً تمثل فى مطاردة الجنازة والإحتكاك بها، فبئس من جعلوه عاطلاً، من البلكونة رأيت آخر ما كنت أتمنى أن أراه، رأيت أناساً - ستعرفون بعد عشر كلمات أنهم ليسوا كذلك - يشاهدون الجنازة من بلكونات أخرى، فراحوا يقذفون جثمان الشهيد بالحجارة والزبالة، من البلكونة رأيت جماهيراً تهلل من بلكوناتهم أيضاً إمتعاضاً لرؤيتهم صليباً فوق التابوت،وسمعت منهم من يردد أن التابوت فارغاً وأنها مجرد "حركات علشان أمريكا تيجى" فأدركت أن تلك الأدمغة هى أيضاً نعوشاً لعقول ماتت منذ زمن، رأيت أيضأ أناساً - كانوا حقاً كذلك - بكوا معنا، ورفضوا معنا، وشجبوا معنا، وأدانوا معنا، من البلكونة رأيت مختلين عقلياً كثيرين جداً وحاولت جاهداً أن أراهم واحداً كما فعل المحافظ فلم أفلح - حقاً كم أحسده - من البلكونة رأيت هياجاً وتحطيمأ فى محلات وصيدلية كانت تبيع الدواء للمسلم والمسيحى، دمروا وحطموا وأحرقوا وسرقوا، ثم على مهله جاء الأمن، ورأيت كيف كان متباطئاً، من البلكونة رأيت رصاصاً مطاطياً ورأيت قنابل مسيلة للدموع، رأيت جنوداً لايعلمون هل هم فى مصر أم فى فلسطين أم فى العراق وربما احتاروا كثيراً وتساءلوا "على من نطلق الرصاص"، رأيت مطاردة بين الأمن والمشاغبين وكان واضحاً جداً عدم نية الأمن القبض عليهم . . فقط تهويشهم ربما ليتسنى لهم إعادة الكرّة فى اليوم التالى، فقد كان يزوم بصوت عالى قبل الهجوم على المشاغبين المختبئين فى الشوارع الجانبية فيتيح لهم الفرصة للهروب قبل أن يلحقوا بهم ثم يعودون أدراجهم فيظهر المشاغبون من جديد وهكذا دواليك .. كم كانت أمسية لطيفة لنا مع أننا لم نكن بحاجة لمشاهدة توم وجيرى.
ثم رأيت فى اليوم التالى نفس المسلسل بنفس السيناريو وبنفس تباطؤ الأمن أى "إعادة لحلقة أمس".
من البلكونة رأيت أيامى القادمة وعرفت أن الحياة فى مصر غير آمنة.
من البلكونة رأيت الحقيقة، ومن الإعلام رأيت الزيف والبهتان، فعرفت كيف تصاغ الأخبار وكيف نشرب الأكاذيب بالملعقة.
من البلكونة يحييكم
مهندس/ شمعى أسعد فهمى

Saturday, April 15, 2006

مصر وطن لن نعيش فيه


تعيش فى مصر وكل همك تأمين قوت يومك – ناهيك عن أن غداً فى علم الغيب – وفى سبيل ذلك ستصارع قوى كثيرة، من عذاب المواصلات الى بيروقراطية كل الجهات، من صراعك مع زملائك ومديريك الى مسئولياتك التى لا تنتهى، من قهر حكامك. . من زيف إعلامك أو غيبوبته وغيبوبتك معاً، من تصنع من يدعون أنهم يدافعون عن حقوقك بينما هم يتربحون من وراءك، من محسوبيات أضاعت عليك فرصة . . كانت تخفى وراءها أحلامك كلها، من ظلم وقع عليك ذات يوم ولم تستطع أن تفعل شيئاً حياله، ربما ضعفاً أو قهراً أو حتى خجلاً و حيائاً . . من إصرارك الرائع على تحقيق أحلام بسيطة فلا تتحقق تلك الأحلام . . ولا يتبدل إصرارك الى يأس.
من أشياء كثيرة تحاصرك . . وتعاندك . . وتزداد قسوتها كل يوم. .
فالطعام – الذى من أجله كان جهادك المقدس هذا – سرطنوه وفيرسوه، فربحوا هم الكثير وخسرت أنت أحباءك. وهؤلاء الذين مازالوا يدعون أنهم ولاة أمرك وحماة حقك أفسدوا حتى علاقتك "بالآخر" الذى يشاركك كل هذا العناء ويختلف معك فقط فى خانة الديانة.
فتكون المحصلة أن الكل يحارب: بعضنا يحارب فيروساً مدمراً، وبعضنا يواجه سرطاناً لعيناً لا يرحم . . وآخرون يتلقون طعنات قاتلة وهم يصلون فى كنيستهم.
وتكون هذه الطعنات من شباب مهزوم أصلاً فشل من أول حرب وقرر أن يهزم الجميع.
وسيخرج المسئولون فى وسائل الإعلام ليؤكدوا أن من فعل هذا مختلاً وأنك فى مصر بلد الأمن والآمان، وأن بلدان العالم تحسدك على هذا، وسيصورون شيخاً وقسيساً معاً، وسيبتسم الجميع أمام الكاميرات وستعرف بعد أن تغلق جهاز التليفزيون وتعاود جهادك اليومى أنهم كانوا يتحدثون عن بلد آخر غير هذا الذى تعيش فيه. فلا تملك إلا أن تعود لتستأنف صراعاتك التى صنعوها لك وبداخلك عواصف وأنواء وأشياء جميلة تتحطم وتصبح مصر بحق وطن لا يستحق أن نعيش فيه.