ترتفع درجة حرارة الأحداث فى مصر بشكل ملحوظ، ليس فقط بعددها ولا بقوتها ولا بعنفها، وإنما بالمستوى الذى أصبحت تدور فيه، فبينما كنا فى الماضى نواجه عدواً خارجياً وعلى أساس ذلك تحدث الأحداث وتتشكل بنسق معين، نجد أننا بعد ذلك أصبحنا نواجه فساداً داخلياً يجعل التفاعل يحدث بشكل آخر يختلف عن ذلك الذى ينتج عما يجلبه وجود عدو خارجى من تداعيات، فعدوك الآن فى الداخل وربما يصعب تحديده ولكنك تعرف يقيناً أنه جاثم بشكل ما على صدرك، لذلك فارت مصر كثيراً فى السنوات الفائتة فوراناً عنيفاً فى محاولة لاستفزاز ذلك العدو حتى يعلن عن نفسه بشكل واضح، ولكن سارت الأمور بشكل مختلف مرة أخرى وانتقلنا إلى مستوى أعلى من التفاعل تمثل فى ظهور حوادث طائفية كثيرة أى أن التفاعل لم يعد بين الناس والفساد بل صار بين الشارع والشارع، بين الناس والناس، ونسينا الفساد ـ عدونا الأصلى ـ لان أولوياتنا تبدلت وارتبكت كثيراً
بدا وسط كل هذا أننا نبحث عن منقذ أو مخلص يقودنا إلى شاطىء آمن، ولأننا فى وضع الغريق فليس لنا حرية الاختيار بين بدائل مختلفة، بل علينا أن نتشبث بلهفة بكل من يظهر فى الأفق ملوحاً أنه هو المخلص القادم، ولأن فى الأجواء العاصفة ليس من الحكمة أن نصبر كثيراً إذا ما بدا أن ذلك المخلص المزعوم ليس هو من نصبو إليه، فلابد إذاً أن نستدير بسرعة لنبحث عن أمل جديد وعن منقذ آخر وهكذا، وليس ذلك عن سوء حظ كما يبدو للوهلة الأولى، ولكنه الفساد الذى تجاهلنا وجوده من قبل هو من يرسل لنا فى كل مرة بمخلصين كذبة
لذلك لابد برغم أننا تأخرنا كثيراً أن نطرح هذا السؤال: على من نراهن؟
على من نراهن والجميع زاغوا وفسدوا، أقصد جميع من جربناهم، فالحزب الحاكم أعلن أحد رموزه أن الفساد للركب، ولم نر له إنجازاً حقيقياً نلتف حوله ليقنعنا به أنه يستطيع أن يقدم لنا شيئاً أفضل من مؤتمر "من أجلك أنت"، الذى تخرج المظاهرات بعده "من أجله هو"
على من نراهن والأحزاب الأخرى مشغولة حتى النخاع فى انقساماتها الداخلية، الأمر الذى ينم عن أن الأمور هناك مشخصنة جداً، ولا عجب أن نرى حزبأ انقسم إلى حزبين يحملان نفس الإسم وكل منهما كانت له جريدة بنفس الإسم أيضاً
على من نراهن وحركات التغيير والاحتجاج المختلفة ضاعت بين محاولات عديدة لتأميمها لصالح تيارات أخرى دينية وغير دينية، وأيضاً طالتها فتنة الانقسام على الذات
على من نراهن والحركات الشابة أيضاً ليسوا على اتساق تام مع ما نادوا به من مبادىء، ورأينا منهم من ركب المظاهرات الطائفية لتسير بهم إلى حيث شاء صانعوها بدلاً من أن يقودوهم هم إلى ما يمثل الفكر المعلن لحركاتهم
على من نراهن وهؤلاء الذين أقنعونا أنهم ولدوا ليغيروا وجه الارض وشكل الحياة وطعم الأيام لم يستطيعوا أن يغيروا ما بأنفسهم
على من نراهن وكل من تسير خلفه تكتشف بعد خطوات قليلة أنه من البداية يتحدث عن مصر أخرى غير التى تعرفها وإن كان هناك تشابهاً لا شك ولكن هناك ايضاً مساحات كبيرة من الإختلاف والخلاف
هذا لا يعنى أن من هم جديرون بهذا الرهان ليسوا بيننا بل هم موجودون ولكنهم غير مؤثرون لأن المجتمع بتركيبته الحالية يلفظهم، ليفرز بدلاً منهم أشخاصاً يشبهون هؤلاء الجالسين على القمة ولكنهم لم يصلوا لها بعد، وسيبدأون مسيرتهم بأشياء تبدو رائعة مثل المظاهرات والهتافات، إلى أن يصلوا إلى القمة ليصبحوا نسخة طبق الأصل ممن سبقوهم وسيفعلون نفس الأشياء التى تظاهروا ضدها فى الماضى، وسيكررون نفس أخطاء أسلافهم لأنهم ببساطة خرجوا من نفس الماعون
ولأن ذلك كذلك فليس أمامى سوى أن أراهن على طفلى وأن تراهن على طفلك، أن نراهن على أطفالنا لأن التركيبة الحالية للمجتمع يجب إصلاحها من لحظات تشكيلها الأولى، ومن قاعدتها لا من قمتها، فلنراهن على أطفالنا فهؤلاء الأطفال لو حرصنا من البداية على ألا يحملوا تشوهاتنا النفسية، ربما حققوا هم ذات يوم المجتمع الأفضل الذى يسمح لهم بالرهان بدورهم على من يستحق، وسيجدونه
المقال على موقع الأزمة
المقال على الأقباط متحدون
على موقع الحوار المتندن
على فيسبوك
1 comment:
تسلم ايديك على الموضوع
اخبار اليوم-اخبار مصر
Post a Comment