Wednesday, May 14, 2025

لن اتحدث عن منال نجيب

في جريمة قتل منال نجيب لن اتحدث عن منال نجيب التي لا أعرفها.. لكن سأتحدث عن شركاء الجريمة الذين تعرفونهم جميعا.


ليست صعوبة الطلاق هي سبب الجريمة فالزوجة لم تطلب الطلاق وحين طلبته قتلها.

الطلاق موجود في المسيحية لكنه يشبه الخلع في الإسلام أي يحتاج إلى إجراءات وشروط كانت معقدة لكنها أصبحت أقل تعقيدا الآن.

أهم الشروط هو شرط "استحالة العشرة" وفي حالة منال كان هذا الشرط متوفرا، فالزوج يهدد زوجته بالقتل ويفتح الغاز على أبنائه في محاولة لقتلهم.


لكن منال لم تطلب الطلاق لأنها خافت من "كلام الناس".. خافت من مجتمع ضاغط بيعاير المطلقة ويطاردها.. وهي كأم "عندها بنات" خافت من الوصم أكثر من خوفها من مجرم تعيش معه.. المجتمع هنا شريك أول في الجريمة.


منال ذهبت لرجل الدين تشكو له زوجها وتحكي مشكلتها.. وبحسب ابنتها من ذهبت إليهم أقنعوها بالصبر والاحتمال.. أعرف رجال دين يتوسطون بإخلاص وتفاني لحل هذه المشاكل، لكن من قال لمنال "هدي سرك وتعايشي" هو شريك ثان في الجريمة.


أما الفاعل الرئيسي في الجريمة فليس هو القاتل نفسه.. بل هذا الشعور الغريب بالاستحقاق عند أغلب الذكور الشرقيين..


الذكر الشرقي يظن إنه السيد و"تاج راس الست"، ويعامل زوجته كجارية عليها أن تطيعه، حتى لو كانت هي من تعمل وتدبر المال، لن يشفع لها هذا، فهي في عقله الباطن مجرد وسيلة لإشباع الرغبة، وربما يحتقرها في قرارة نفسه، حتى في أكثر اللحظات الحميمة.


هذا الذكر سيتحول إلى دجاجة صغيرة في اول كمين شرطة، فهو أيضا يعرف حجمه الحقيقي، لكنه كذكر "مستحق" لا يفهم أن يظل مقهورا طوال الوقت، ويعرف أن اهل بيته هم الحلقة الأضعف في دورة حياته اليومية، فيعيد تدوير القهر، ويتحول في منزله إلى الصورة التي يرى فيها نفسه السيد، شاهرا عضوه الذكري كسلاح وحيد يملكه حتى أنه أنجب اربعة أبناء من زوجة لا يحبها ولا تريده.


شعور المرأة بالضعف أمام الرجل هو أيضا شريك خفي.. أفهم أن تكتشف زوجة طباع زوجها السيئة بعد الزواج.. لكن لا أفهم كيف تنجب منه أربعة أبناء.. هذا الاستسلام غير المفهوم حاضرا بشكل ما في هذه القصة.


وعودة للمجتمع.. المتهم الأول.. فلا حل له سوا أن تتغير المرأة نفسها..


أعرف سيدة منفصلة عن زوجها بعدما سعت هي وليس هو للطلاق، لاستحالة العشرة، وبعد أن نالت حريتها ظلت لسنين طويلة يتملكها شعور بالذنب أمام أبنائها، خوفا أن يسبب وضعهم الجديد حرجا أمام زملائهم، كبر الأبناء وجاءت الفرصة لتختبر هذا الشعور لديهم فتفاجئت برد ابنها أن هذه الأمور تحدث ولا تخلو بيوت أصحابه من مشاكل مختلفة سواء كانت طلاق أو وفاة أحد الوالدين أو مشاكل أخرى.. كان رد ابنها هو لحظة الإفاقة الحقيقية التي نالتها منذ انفصالها.. وبعدما تحررت بالطلاق.. حررتها كلمة ابنها من الآثار النفسية للطلاق نفسه، وأصبحت قدرتها على مواجهة المجتمع أقوى ولم تعد تخاف المجتمع ولا الوصم.


وأعرف سيدة أخرى بعد الانفصال اجتهدت في تطوير نفسها، واهتمت بالنجاح المهني حتى أصبحت ضيفة في القنوات التلفزيونية في تخصصها، فصارت نموذجا ولم يشغلها المجتمع ولا نظرته لها.


وأعرف أخرى تكافح لتعليم ابنتها تعليما راقيا رغم ضيق ذات اليد، ليكون تعليم ابنتها هو نقطة التوازن في حياتها، رغم وجودها وسط مجتمع شعبي لا يرحم لكنها لا تبالي.


وأعرف سيدات كثيرات منفصلات وناجحات وهن من سيجبرن المجتمع على تغيير نظرته، وربما ينقذ هذا ضحايا محتملات.


شمعي أسعد 

#تأملات_على_الصحراوي


#حق_ماما_منال_لازم_يرجع



Monday, May 12, 2025

مولد يا دنيا

على قناة cbc من شوية كان شغال فيلم مولد يا دنيا.. اللي كتبه يوسف السباعي وأخرجه حسين كمال.. واتعرض أول مرة سنة ١٩٧٦.. الفيلم الاستعراضي الجميل اللي يساعدك وانت بتتفرج على تنظيم ضربات قلبك وتحسين التنفس وظبط حالتك النفسية.. الفيلم بيحكي قصة مجموعة من المشردين جواهم فنانين مدفونين بيقابلهم مدرب رقص بيكتشف موهبتهم ويعمل بيهم فرقة فنون شعبية.
الفيلم كان مقصود منه يكون استعراضي.. عشان كده أغلب أبطاله غنوا وشاركوا في كل أغانيه.. حاجة محصلتش كتير في السينما المصرية.
ورغم بساطة القصة نفسها.. لكن بتشوف إزاى الفن قدر يحول شباب متشرد لفنانين.. وإزاي طلّع أجمل ما فيهم.
وبتشوف نفسك كأنك بتتحول معاهم.. وبتبارك تحولهم وبتحب نسختهم الأخيرة..

الفيلم طول الوقت بيبعتلك من خلال أغانيه رسايل إيجابية وعايز ينشلك من تشردك أو شرودك..

فتلاقي أغنية تعالى جنبي اللي كتبها عبدالرحيم منصور ولحنها بليغ حمدي.. كأن الدنيا بتقولك سيب وجعك وهمومك:
 
"ماتيجي جنبي 
هتشوف بعينيك
جنة حواليك
الناس هنا حلوين
عايشين على السماح
ألوانهم الجميلة 
مفيهاش لون الجراح
حاسين بالدفا
عايشين ع الوفا"

بس إنت بتقاوم البهجة وبتقاوح أو خايف ف لسان حالك يرد:

"وفا إيه 
ده الشقا مش راضي بينا
إحنا اللى رضينا بيه"

لكن رغم الخوف إننا نصدق مش هنبطل:
 
"نحلم ببكرة يجينا"..

وبكلمات مرسي جميل عزيز وألحان منير مراد تدلعك الدنيا أكتر..

"أأمر يا أمير واطلب يا أمير تلقى المطلوب جايلك بيطير"

وانت لسة بتقاوح ورافض تصدق
فمرسي جميل عزيز ومحمد الموجي هايشاركوا في المحايلة

"يهديك
يرضيك
الله يخليك"

وانت بتبرر تخوفك:

"طول عمري بهرب من عمري 
وبسلم للأيام أمري
وتاخدني الريح 
وتجيبني الريح
وأيامي بتجري"

عشان جراحك أقوى وذكرياتك أليمة
ومرسي جميل عزيز وكمال الطويل داسولك على كل أوجاعك:

"يرحم زمان وليالي زمان
والناس يا متهني يا فرحان
الدنيا كانت وردة وشمعة
ولسه ما اخترعوش أحزان"

بتراجع نفسك وتطمن نفسك انك مش كده.. وإن حالك كان أحسن:

"صدقني يا صاحبي
كان الزمان صاحبي"

لكن تقلبات الحياة وعنف الموج لما يقلبك:

"آه يا زمان العبر
سوق الحلاوة جبر
إحنا اللي كانوا الحبايب
بيسافروا بينا القمر
بقينا أنتيكا"

وبعد التوهة والحيرة لا نملك في عز ضعفنا وانكسارنا غير إننا نبص للسما ونطلب العون:

"يا قوي يارب
يا كريم يا عظيم يا رحيم يا قوي 
من حر حرقتي ومر دنيتي وضعف قوتي
بنده عليك قوي يارب"

من خلال أغنية في الفيلم تشبه الصلاة كتبها مرسي جميل عزيز ولحنها محمد الموجي.. كان لا بد منها قبل إعلان التغيير النهائي.

وبعد ما خدنا قرار التغيير واستعنا بربنا.. ييجي الاستعراض الأخير في الفيلم.. وبنفوز كلنا بالنتيجة.. ونردد كلمات سيد مرسي وألحان بليغ حمدي:

"يالا يا دنيا نقول للدنيا 
كنا إزاي عايشين في الدنيا
 وليه ضيعنا الوقت ده كله..
واللي ما شافش الدنيا نقوله آهي دي الدنيا"

مع إصرار على التحفيز في تكرار كلمة "يالا".. لأننا خلاص:

"اشتاقنا وهديت أشواقنا خلينا الدنيا تصدقنا"

واكتشفنا إن إرادتنا كانت هي سيد الموقف من البداية وإحنا اللي ظلمنا نفسنا باستسلامنا:

"ورضينا بالنار تحرقنا والنار مش راضية بده كله"

حتى شرير الفيلم توفيق الدقن استجاب لموجة التغيير وغنى معاهم:

"يا للي ظلمتوا معاكوا الدنيا مالها الدنيا"

يخلص الفيلم 
فيلم مولد يا دنيا
اللي كل حاجة وقتها اتحدت عشان تطلع عمل عظيم زي ده..
من أول وفرة الفنانين لحد جمهور متذوق ومزاج عام سامح
مرورا بالإيمان بدور الفن في ترقي المجتمع..
وتنزل لمولد الدنيا الحقيقي
تلاقي الفيلم مكنش أكتر من حلم
تدور على نفس الوشوش اللي كانت في الحلم ماتلاقيهاش 
وتلاقي نفسك بتتكعبل طول حياتك في ناس شبه الملايكة بس جواهم قبح.

شمعي أسعد 
#تأملات_على_الصحراوي

المقال على اليوم السابع