Sunday, September 14, 2014

اختبار حمل داعش

تأملتُ بكثير من الفضول ملامح الشاب إسلام يكن، خريج "الليسيه" سابقاً والمجاهد في صفوف داعش حالياً، وتعجبت كما تعجب الجميع من غياب أية علامة تقول إننا أمام إرهابي محتمل، وكنت قد كتبت في2010 على خلفية أحداث نجع حمادي التي وقعت ليلة عيد الميلاد، مقالاً بعنوان "عزيزي الإرهابي القديم.. افتقدك"، تحدثت فيه عن أن الإرهابي الذي ملأ فترة الثمانينات والتسعينات ضجيجا ودماءً، لم يعد يظهر بصورته التقليدية التي كنا نراه بها، حين كان يرتدي جلبابا أبيض قصيرا ولحية طويلة ويده تحمل سلاحا آليا، بل أصبح الإرهابي الآن شخصا عادياً، قد يكون جارك أو زميلك القديم في المدرسة، أو الشخص الجالس بجوارك في القطار.

وحين ذهبت لعمل تحقيق صحفي لمجلة روز اليوسف عن أحداث تهجير الأقباط في العامرية بالإسكندرية، كان أول ما فعلته هناك هو تأمل ملامح كل من قابلتهم وكل من رأيتهم في شوارع القرية، وبالتأكيد منهم من شارك في حرق المنازل، كنت أبحث عن أية ملامح إجرامية تضع ما حدث في سياق مقبول كسلوك إجرامي، ولكن خاب ظني فلم أجد سوى أشخاص عاديين وملامح عادية، تحولت وقت الأزمة لشخصيات إرهابية، ثم عادت مرة أخرى لحالتها العادية لتمارس حياتها الطبيعية في التعامل اليومي العادي.


وضع عالم الجريمة الإيطالي الشهير "تشيزري لومبروزو" نظريته الشهيرة"الرجل المجرم"، وهو بالمناسبة أول من استخدم جهاز كشف الكذب عام‏ 1895، الذي تقوم فكرته على تسجيل التغيرات التي تطرأ على أجهزة الجسم إذا ما عمد الإنسان إلى الكذب، مثل التغيير في سرعة نبضات القلب واختلاف سرعة التنفس وضغط الدم. يذهب لومبروزو في نظريته إلى أن المجرم إنسان شاذ من الناحيتين العضوية والنفسية، فمن الناحية العضوية يقرر لومبروزو أن المجرم يتميز بصفات وملامح جسمانية تختلف عن الشخص الطبيعي، مثل عدم انتظام شكل الجمجمة، وضخامة في الفكين، وبروز في عظم الخدين، وشذوذ في تركيب الأسنان، وفرطحة أو اعوجاج في الأنف، وغزارة في الشعر، مع عدة صفات أخرى. أما من الناحية النفسية فقد لاحظ لومبروزو ضعف إحساس المجرمين بالألم، كما لاحظ تميزهم بالفظاظة وغلظة القلب وقلة أو انعدام الشعور بالخجل، مفسرا بذلك إقدامهم على إتيان جرائم الدم.


وبالطبع لاقت النظرية وقتها هجوماً عنيفاً، وكان يستجيب للنقد بتطوير نظريته، حتى أصدر منها خمس نسخ في عدة مجلدات، وظلت محل هجوم وإن اعترف النقاد ببعض المزايا، ولكن إذا طبقنا نظرية "الرجل المجرم" على إسلام يكن، وغيره من كثيرين انضموا لصفوف داعش، لن نراها صحيحة أبداً وربما تصح في الناحية النفسية، فمن الناحية العضوية كان"يكن" شاباً عادياً يحمل نفس الملامح البسيطة للمصريين، ولا يحمل صفات "الرجل المجرم"، فلا شكل جمجمته غير منتظم ولا أطرافه أو أصابعه بها طول ملحوظ، ولا توجد ضخامة في فكيه، ولا "حواجب غزيرة تميل للالتقاء فوق الأنف"، هو مجرد شاب عادي، فما الذي جعله إرهابيا، وأين يكمن جين التحول؟ وهل بيننا كثيرون يحملون الفكر "الداعشي"؟ وكيف تعرف إن كنت أنت شخصيا منهم أم لا؟ وإن كانت نظريات لومبروزو لا تصلح للكشف عن الـ"داعش" الذي بداخلك، فهل هناك ما يمكن أن نسميه "اختبار حمل داعش"؟ 


كلنا يعرف أن مجتمعنا به الكثير من الأفكار والسلوكيات السلبية التي تحمل البذور الداعشية، مثل قمع المرأة، العداء المستتر والمعلن أحيانا بين الطبقات الغنية والفقيرة، ثقافة الكراهية تجاه الآخر، "ثقافة الزحام" التي ينتج عنها الكثير من جرائم العنف، وبشكل عام "السلوك العنيف" في كثير من الممارسات اليومية، وفي السنوات القليلة بعد ثورة 25 يناير، وفي ظل حالة استقطاب وقع فيها الشعب المصري بأكمله، ظهرت كثير من الأفكار الداعشية بيننا جميعا، فكلنا كنا نريد نفي كل منتمي للمعسكر الآخر، ولا نتعاطف معه إن قُتل أو سُحل أو تم تعذيبه، وكنا نُسكت ضمائرنا بعبارات مثل "إيه اللي وداه هناك؟"، وحتى قبل الثورة كان بيننا من ينادون بحقوق الإنسان وحقوق المرأة ولكنهم إن تعرضوا لسرقة فلا مانع من سحل الخادمة في قسم الشرطة حتى تعترف!.


أين ترقد الخلايا الإرهابية النائمة داخل كل شخص فينا؟، وكيف تتأكد إن كنت تحمل هذا الفيروس الداعشي أم لا؟ هو اختبار "حمل" بسيط، فقط راجع كل ما آمنت به من قناعات، وما مارسته من سلوك، واستحضر صورة إسلام يكن أيام البراءة ومدارس الليسيه، ثم قارنها بصورته حاملا رؤوس ضحاياه في سوريا، والعب اللعبة القديمة في استخراج أوجه الشبه ليس بين الصورتين بل بينك وبينه.


شمعي أسعد
سبتمبر 2014



المقال على دوت مصر



No comments: