Friday, January 08, 2010

عزيزى الإرهابى . . أفتقدك


الآن أدركت كم أن إرهاب التسعينيات من القرن العشرين كان إرهاباً نظيفاً، وأعتبره ـ رغم كونى قبطياً ـ من أفضل نماذج الإرهاب التى نعانى وسنظل نعانى منها كثيراً فى مصر، وقد أمارس بعض الجنون وأطالب بعودته مرة أخرى بدلاً من الإرهاب المتوفر والمتاح حالياً، فإذا لم يكن من الإرهاب بد فقد يكون من حقى أن أريده إرهاباً واضحاً معلناً عن نفسه، وأن يكون الإرهابى هو ذلك الإرهابى الواضح والمتسق جداً مع نفسه، الذى يقول لك بوضوح أنه إرهابى، أريد ذلك الإرهابى الذى تستطيع أن تواجهه أو تتحاشاه، تصطدم معه أو تهرب منه، أما ما يحدث الآن من إرهاب للأقباط على يد إرهابى مستتر تظهره التحقيقات كمعتوه أو مسجل خطر فهذا ما لا أرضاه ولا أحبه، كما أستنكر بشدة أن يتخلى الإرهابى عن شكله التقليدى النموذجى الذى كنا نراه به فى فترة التسعينيات، متمثلاً فى جلباب أبيض قصير ولحية ورشاش فى يده، كم أفتقد هذا الإرهابى الرائع، فالتعامل مع عدو واضح أفضل بكثير من أن تجد نفسك تواجه إرهابياً مختلفاً فى كل مرة، وللأسف لن تعرف مسبقاً أنه هو الإرهابى القادم، فهو الآن يأخذ صورة الرجل العادى الذى قد يكون أى أحد تراه، فقد يكون جارك وأنت لا تعلم، أو قد يكون هو ذلك الرجل الجالس بجوارك فى القطار، أو البقال الذى تتعامل معه ولا تعلم نيته، قد يكون ذلك الشخص الذى تراه هنا وهناك، وهذا هو أسوأ ما فى الأمر، فلم يعد متاحاً لك أن تدرك أنه قادم فتتجنبه، الوضوح يريح الجميع وأنا أعشق الوضوح حتى فى مثل هذه الأمور، لذلك أطلب العودة للإرهاب المتخصص الذى يمارسه الإرهابى المتخصص لا الرجل العادى، فالإرهابى المتخصص كان واضحاً وتعرف أسبابه أما الآن فنحن نسأل لماذا يقتلوننا، الإرهابى المتخصص تعرف مكانه وشكله أما الآن فلا نعرف من أين وممن ستأتى الضربة القادمة، الإرهابى المتخصص كان محدود الأثر لأنه محدود المكان أما الآن فالأمور من سىء لأسوأ والضربات عشوائية وأكثر انتشاراً ويصعب تحديد وجهتها القادمة، الإرهابى المتخصص كان يعادى الدولة والأقباط معاً، فكنا نضمن تدخل الدولة إن لم يكن لصالح الأقباط فعلى الأقل لصالحها هى نفسها، أما الآن فهو إرهاب يخص الأقباط وحدهم وعليهم وحدهم مواجهته، الإرهابى المتخصص كان من السهل جداً الحصول عليه بعد إتمام جريمته ومعاقبته وفى أحيان أوفر حظاً قبلها، أما الآن فكيف ستجد المتهم وقد عاد لتوه ليختبئ مرة أخرى خلف الوجه المحيطة التى أتى أصلاً من بينها، الإرهابى القديم ـ فى عصره الذهبى ـ كانت هناك دائماً جهة تظهر فيما بعد لتعلن مسئوليتها عن الحادث، أما الآن فالمقبوض عليهم خليطاً متساوياً من الجناة والضحايا، والمتهم دائماً لا أحد
لماذا يكرهوننا؟ سأظل أسأل ولا جواب، لماذا يقتلوننا؟ ويمضى الأمر بلا عقاب، لماذا أعانى ـ فى وطنى ـ هذا التخوف وهذا التوجس وهذا الاغتراب؟ ولماذا رغم هذا مازلت أعشق فى وطنى كل ما فيه حتى التراب؟ لماذا يجب على أن أؤكد كل حين أننى لا أملك وطناً بديلاً ولا عمراً بديلاً ولا أنوى الرحيل هرباً؟ كما لا أرغب حقاً فى أن أظل هكذا قلقاً، ولا أرغب فى أن تكون عقيدتى هى ذاتها تهمتى، كم أحسدك عزيزى المسلم لأنك لا تشعر مثلما أشعر من قلق وإحباط، وربما لا تعرف أن القلق والترقب من المشاعر التى أصبحت تحتل جزءاً لا بأس به من كيانى، كم أحسدك لأنك آمن فى مسجدك ولا تخشى منى أن أعكر صفو مزاجك يوم عيدك، فلن يدخل أحد المختلين عقلياً خلفك ليطعنك وأنت تصلى، ولن تخرج بعد صلاة العيد لتجدنى أمامك برشاشات تحصد المصلين بدلاً من تهنئتهم بعيدهم، أما عنى فلا أعرف لماذا أصبحت أخشى جارى وأتوجس خيفة من أناس لا أعرفهم ولا يعرفوننى، لماذا أشعر أن القادم أسوأ وغداً أكثر رعباً؟ أملك ألف سؤال وألف "لماذا" تتنطط كالقرود فى ذهنى، عزيزى الإرهابى القديم . . أفتقدك
* * *
* * *
واقرأ تعليقات أخرى على الفيسبوك هنا و هنا